تطبيق تيك توك .. التأثير العالمي، ونزاعات الخصوصية، والصراعات الثقافية

تبدو ظاهرة التيك توك تجربة مفعمة بالتناقضات، ما ببين تطبيق بلا شك يمكن وصفه بالناجح واسع الانتشار ذو تأثير عميق ليس فقط على مستخدميه من فئة الشباب وحتى الأطفال. بل على اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي العالمية، حيث أثر على إنشاء المحتوى ومشاركة المستخدم والثقافة الرقمية الشاملة. حيث سارعت تطبيقات تابعة لشركات عملاقة مثل الفابيت الشركة الام لجوجل والمالكة لتطبيق اليوتيوب، وشركة ميتا المالكة لمنصة الفيسبوك وانستجرام وغيرها في تكرار نفس تجربة الفيديوهات القصيرة التي اطلقها تطبيق تيك توك مع تغيير أسماء تلك الخدمة عبر مختلف التطبيقات. حيث استفادت تلك الشركات من اطلاق تلك الخدمة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي الخاصة بها وفقًا لتقارير التحليل الفني لأسهم تلك الشركات في ذلك الوقت.

- غزو لا ثقافي وتخريب للعقول

إلى هنا لم تنته قصة نجاح التيك توك الذي لم يتأثر بنسخ تجربته في بعض التطبيقات الأخرى، والتي كانت في ذلك الوقت أكثر انتشارًا. بل توسع التطبيق بين فئات عمرية مختلفة ليتجاوز انتشاره بعض تلك التطبيقات بالفعل مع توسع عدد ساعات المشاهدات المحتوى السريع والذي يشمل مجالات مختلفة بدءًا من الكوميديا والرقص وحتى المحتوى التعليمي والتعليقات الاجتماعية من خلاله ليصل إلى حد الإدمان بين الكثير من مستخدميه. 

لكن هل معيار الانتشار ونسخ كبرى الشركات كافي بحد ذاته لوصف تجربه التيك توك بالنجاح، فعند دراسة تقارير محددة تتحدث عن تقييد الصين الدولة التي تضم الشركة الأم لتطبيق تيك توك للمحتوى الترفيهي في النسخة الصينية وقصرها على الفيديوهات التي تضم معلومات دراسية او فائدة حقيقية. علينا أن نقف ونعمل على استيعاب ما تسعى تلك الدولة لتصديره للمستخدمين من خارجها خاصة من صغار السن والشباب. 

نجد في عالمنا العربي، توسع كبير لاستخدام ذلك التطبيق، دون محاذير، حيث قصرت الصين استخدام ذلك التطبيق على ما يفيد الأجيال القادمة. نجد أن الغرب يسعى للتضييق على هذا التطبيق لسبب او لآخر. حيث اثارت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بعض القضايا المتعلقة بمخاوف الخصوصية وأمن البيانات وتأثيره على الجماهير الأصغر سنًا. بينما الوضع في عالمنا العربي مفتوح بلا رقيب او رادع اللهم من بعض الرقابة الأسرية والتي لا شك لن تنجح في صد هذا الغزو الذي لا يمكن حتى تسميته بالــ (ثقافي).

- صراع تيك توك مناقشات الملكية والتحديات القانونية

نفت بايت دانس، الشركة الأم لـ تيك توك، رسميًا أي نية لبيع منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة، في مواجهة تقارير أمريكية نشرت خلال في أبريل. تؤكد الشركة أنها لا تستكشف أي عملية بيع من هذا القبيل، لا سيما تلك التي قد تنطوي على الاحتفاظ بالخوارزمية أثناء تجريد حصة الولايات المتحدة. يأتي هذا التوضيح بعد توقيع الرئيس جو بايدن على مشروع قانون الأمن القومي في منتصف أبريل، والذي من المحتمل أن يحظر تيك توك في الولايات المتحدة ما لم يتم نقل ملكيته من بايت دانس. وشدد الرئيس بايدن على أهمية مشروع القانون للأمن القومي. يفرض القانون على بايت دانس تجريد ملكيتها لـ تيك توك، في غضون 270 يومًا أو مواجهة حظر محتمل في الولايات المتحدة. أعربت تيك توك، عن نيتها رفع دعوى قضائية تتحدى القانون، على الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل محددة حول توقيت هذا الإجراء القانوني.

في تحول مثير للاهتمام، على الرغم من الآثار المترتبة على مشروع القانون، أشارت حملة إعادة انتخاب الرئيس بايدن إلى خطط لمواصلة استخدام تيك توك لإشراك الناخبين والتواصل معهم، ولا سيما استهداف الناخبين الشباب. سلط أحد مسؤولي الحملة الضوء على أهمية تيك توك كواحدة من عدة منصات لضمان الرؤية بين الناخبين في بيئة إعلامية مجزأة. كما قال مسؤول في حملة بايدن لوسائل الإعلام إن تيك توك بمثابة "أحد الأماكن العديدة" المستخدمة "للتأكد من أن المحتوى الخاص بهم يشاهده الناخبون"، وأن المنصة هي أداة أخرى "للوصول إلى الناخبين الشباب". 

من جانبها استجابت تيك توك لمشروع القانون بإعلانه غير دستوري وتعهدت بالطعن فيه في المحكمة. لقد استثمرت الشركة بشكل كبير في تأمين البيانات الأمريكية والحفاظ على منصة خالية من التأثير الخارجي. تقول تيك توك إن الحظر سيؤثر سلبًا على ملايين الشركات والمستخدمين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وقد التزمت بالاستثمار والابتكار المستمرين للحفاظ على المنصة مساحة آمنة وملهمة.

- المفوضية الأوروبية تفرض قيود على منصة التيك توك

في الوقت نفسه، في أوروبا، قامت تيك توك بإزالة إصدار تطبيقها البسيط مؤقتًا من السوق بسبب التحقيق المستمر الذي تجريه المفوضية الأوروبية في الممارسات الأمنية للشركة. وانتقدت وزارة الخارجية الصينية موقف الاتحاد الأوروبي بعدما ذكرت وزارة الخارجية الصينية يوم أن الاتحاد الأوروبي "يرسل إشارة للحمائية". وفي حديثه في مؤتمر صحفي، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين عن أمله في أن يلتزم الكتلة بقواعد منظمة التجارة العالمية ويلتزم بوعوده بشأن السوق المفتوحة. وأشارت بكين كذلك إلى أنها تأمل أن يتوقف الاتحاد الأوروبي عن محاولة "قمع الشركات الصينية". ومؤخرًا، بدأت المفوضية الأوروبية تحقيقًا في إطلاق تيك توك لايت في فرنسا وإسبانيا بموجب قانون الخدمات الرقمية. أدى تحقيق المفوضية الأوروبية في إطلاق تيك توك لايت في فرنسا وإسبانيا بموجب قانون الخدمات الرقمية إلى قيام تيك توك أوروبا بتعليق بعض وظائف التطبيق أثناء معالجة المخاوف التنظيمية.

- في الختام

في النهاية بينما تتوسع موجه الانتشار الكبيرة لتطبيق التيك توك، والذي بلا شك استفاد من تجربة ناجحة في انتشار الفيديوهات القصيرة، والتي يمكن أن تتضمن عناصر جذب قصيرة، لا يمكن لكثير من فئات المجتمع خاصة الذي يمكن تسميتهم بإنصاف المتعلمين بمقاومته. يتواصل نجاح الصين في تصدير احدى أكبر الآفات الاليكترونية لدول العالم، التي تسعى لمقاومة موجه تخريب العقول هذه بطريقة او بأخرى. تتجاهل أو تتغافل دولنا العربية عن موجه مثل هذا الغزو التخريبي.